الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.التفسير المأثور: قال السيوطي:{وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)}أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه: {لا يجرمنكم شقاقي} لا يحملنكم فراقي.وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال: {شقاقي} قال: عدواني.وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس. أن شعيبًا قال لقومه: يا قوم اذكروا قوم نوح وعاد وثمود: {وما قوم لوط منكم ببعيد} وكان قوم لوط أقربهم إلى شعيب، وكانوا أقربهم عهدًا بالهلاك: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم} لمن تاب إليه من الذنب: {ودود} يعني يحبه، ثم يقذف له المحبة في قلوب عباده. فردوا عليه: {قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرًا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفًا} كان أعمى: {ولولا رهطك} يعني عشيرتك التي أنت بينهم: {لرجمناك} يعني لقتلناك: {وما أنت علينا بعزيز قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله} قالوا: بل الله. قال فاتخذتم الله وراءكم: {ظهريًا} يعني تركتم أمره وكذبتم نبيه، غير أن علم ربي أحاط بكم، {إن ربي بما تعملون محيط} قال ابن عباس: وكان بعد الشرك أعظم ذنوبهم تطفيف المكيال والميزان، وبخس الناس أشياءهم مع ذنوب كثيرة كانوا يأتونها، فبدا شعيب فدعاهم إلى عبادة الله وكف الظلم وترك ما سوى ذلك.وأخرج ابن أبي حاتم عن خلف بن حوشب قال: هلك قوم شعيب من شعيرة إلى شعيرة، كانوا يأخذون بالرزينة ويعطون بالخفيفة.وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله: {ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي...} الآية. قال: لا يحملنكم عدواتي على أن تتمادوا في الضلال والكفر فيصيبكم من العذاب ما أصابهم.وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وما قوم لوط منكم ببعيد} قال: إنما كانوا حديثي عهد قريب بعد نوح وثمود.وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن أبي ليلى الكندي رضي الله عنه قال: أشرف عثمان رضي الله عنه على الناس من داره وقد أحاطوا به فقال: {يا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد} يا قوم لا تقتلوني، إنكم إن قتلتموني كنتم هكذا، وشبك بين أصابعه.وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {وإنا لنراك فينا ضعيفًا} قال: كان أعمى، وإنما عمي من بكائه من حب الله عز وجل.وأخرج الواحدي وابن عساكر عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بكى شعيب عليه السلام من حب الله حتى عمي، فرد الله عليه بصره وأوحى الله إليه: يا شعيب ما هذا البكاء أشوقًا إلى الجنة أم خوفًا من النار؟ فقال: لا، ولكن اعتقدت حبك بقلبي، فإذا نظرت إليك فما أبالي ما الذي تصنع بي، فأوحى الله إليه: يا شعيب إن يكن ذلك حقًا فهنيأً لك لقائي يا شعيب، لذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي».وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه والخطيب وابن عساكر من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وإنا لنراك فينا ضعيفًا} قال: كان ضرير البصر.وأخرج أبو الشيخ عن سفيان في قوله: {وإنا لنراك فينا ضعيفًا} قال: كان أعمى، وكان يقال له: خطيب الأنبياء عليهم السلام.وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: {وإنا لنراك فينا ضعيفًا} قال: إنما أنت واحد.وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {ولولا رهطك لرجمناك} قال: لولا أن نتقي قومك ورهطك لرجمناك.وأخرج سعيد بن منصور عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: لو كان للوط مثل أصحاب شعيب لجاهد بهم قومه.وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أنه خطب فتلا هذه الآية في شعيب: {وإنا لنراك فينا ضعيفًا} قال: كان مكفوفًا، فنسبوه إلى الضعف: {ولولا رهطك لرجمناك} قال علي: فوالله الذي لا إله غيره ما هابوا جلال ربهم، ما هابوا إلا العشيرة.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {واتخذتموه وراءكم ظهريًا} قال: نبذتم أمره.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واتخذتموه وراءكم ظهريًا} قال: قضاء قضى.وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {واتخذتموه وراءكم ظهريًا} يقول: لا تخافونه.وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي: {واتخذتموه وراءكم ظهريًا} قال: جعلتموه خلف ظهوركم، فلم تطيعوه ولم تخافوه.وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك: {واتخذتموه وراءكم ظهريًا} قال: تهاونتم به.وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه: {واتخذتموه وراءكم ظهريًا} قال: الظهري الفضل مثل الجمال يحتاج معه إلى إبل ظهري فضل لا يحمل عليها شيئًا إلا أن يحتاج إليها، فيقول: إنما ربكم عندكم هكذا إن احتجتم إليه، فإن لم تحتاجوا فليس بشيء. اهـ..فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)}قوله تعالى: {واتخذتموه}: يجوز أن تكونَ المتعدية لاثنين، أولهما الهاء، والثاني {ظِهْرِيَّا}. ويجوز أنْ يكونَ الثاني هو الظرف و{ظِهْرِيًا} حالٌ، وأن تكونَ المتعدية لواحد، فيكون {ظِهْرِيًّا} حالًا فقط. ويجوز في {وراءكم} أن يكونَ ظرفًا للاتخاذ، وأن يكونَ حالًا مِنْ {ظهريًّا}، والضمير في {اتخذتموه} يعود على اللَّه؛ لأنهم يجهلون صفاتِه، فجعلوه أي: جعلوا أوامره ظِهْريًّا، أي: منبوذَةً وراء ظهورهم.والظِهْرِيُّ: هو المنسوبُ إلى الظَّهِيْر وهو مِنْ تغييرات النسب كما قالوا في أَمْس: إمْسِيّ بكسر الهمزة، وإلى الدَّهْر: دُهْرِيّ بضم الدال. وقيل: الضمير يعودُ على العصيان، أي: واتخذتم العصيان عونًا على عداوتي، فالظِّهْرِيُّ على هذا بمعنى المُعِين المُقَوِّي.{وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ}قوله تعالى: {مَن يَأْتِيهِ}: قد تقدَّم نظيرُه في قصة نوح. قال ابن عطية بعد أن حكى عن الفراء أن تكون موصولةً مفعولةً ب {تَعْلمون}، وأن تكونَ استفهاميةً مبتدأة مُعَلِّقة ل {تعلمون}: والأول أحسن ثم قال: ويَقْضي بصلتها أن المعطوفة عليها موصولة لا محالة. قال الشيخ: لا يتعيَّن ذلك، إذ من الجائز أن تكونَ الثانيةُ استفهاميةً أيضًا معطوفةً على الاستفهامية قبلها، والتقدير: سوف تعلمون أيُّنا يأتيه عذابٌ، وأيُّنا هو كاذبٌ. وقال الزمخشري: فإن قلت: أيُّ فَرْقٍ بين إدخالِ الفاء ونَزْعها في {سوف تعلمون}؟ قلت: إدخالُ الفاءِ وَصْلٌ ظاهر بحرفٍ موضوعٍ للوصل، ونَزْعُها وَصْلٌ خفيٌّ تقديريٌّ بالاستئناف الذي هو جوابٌ لسؤال مقدر كأنهم قالوا: فماذا يكون إذا عَمِلْنا نحن على مكانتنا وعَمِلْتَ أنت على مكانتك؟ فقيل: سوف تعلمون، فَوَصَلَ تارةً بالفاء وتارةً بالاستئناف للتفنن في البلاغة، كما هو عادةُ البلغاء من العرب، وأقوى الوصلين وأبلغُهما الاستئنافُ، وهو بابٌ من علم البيان تتكاثرُ محاسِنُه.قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا}: قال الزمخشري: فإن قلت: ما بال ساقَتَي قصة عاد وقصة مَدْين جاءتا بالواو، والساقتان الوُسْطَيان بالفاء؟ قلت: قد وقعتْ الوُسْطَيان بعد ذِكْر الوعد، وذلك قوله: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح}، {ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} فجاء بالفاء التي للتسبُّب كما تقول: وعدته فلما جاء الميعاد كان كيت وكيت، وأمَّا الأُخْرَيان فلم تقعا بتلك المنزلة، وإنما وقعتا مبتدأتين فكان حقُّهما أن تُعْطَفا بحرف الجمع على ما قبلهما، كما تُعْطَفُ قصة على قصة، وهذا من غُرَر كلام الزمخشري. اهـ..من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)}. أترون مِنْ حقّ رهطي ما لا تَرَوْنَ من حقّ ربي؛ وإنَّ ربي يُكافئكم على أعمالكم بما تستوجبون في جميع أحوالكم.{وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ}أرخى لهم ستر الإمهال فلمَّأ أصَرُّوا على تماديهم في الغواية حلَّت بهم العقوبة، وصاروا وكأن لم يكن بينهم نافخ نارٍ، ولا في ديارٍ الظالمين ديَّار، قال تعالى: {فَاْعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2]. اهـ..التفسير الإشاري: وقال الألوسي:ومن باب الإشارة في الآيات: قوله سبحانه في قصة هود عليه السلام: {مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبّى على صراط مُّسْتَقِيمٍ} [هود: 56] فيه إشارة إلى أن كل ذي نفس تحت قهره سبحانه وسلطانه أسير في يد تصرفه وملكته عاجز عن الفعل إلا بإذنه وأنه عز وجل لا يسلط أحدًا على أحد إلا عن استحقاق ذنب أو رفع درجة وإعلاء منزلة لأنه تبارك وتعالى على طريق العدل الذي لا إعوجاج فيه، وذكر الشيخ الأكبر قدس سره في فصوصه: إن كل ما سوى الحق فهو دابة فإنه ذو روح وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره بحكم التبعية للذي هو على صراط مستقيم فكل ماش فهو على الصراط المستقيم وحينئذ فلا مغضوب عليه ولا ضال من هذا الوجه، نعم إن الناس على قسمين: أهل الكشف وأهل الحجاب، فالأولون يمشون على طريق يعرفونها ويعرفون غايتها فهي في حقهم صراط مستقيم كما أنها في نفس الأمر كذلك، والآخرون يمشرون على طريق يجهلونها ولا يعرفون غايتها وأنها تنتهي إلى الحق فهي في حقهم ليست صراطًا مستقيمًا وإن كانت عند العارف ونفس الأمر صراطًا مستقيمًا، واستنبط قدس سره من الآية أن مآل الخلق كلهم إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي الرحمة السابقة على الغضب، وادعى أن فيها بشارة للخلق أي بشارة.وقال القيصري في تفسيرها: أي ما من شيء موجود إلا هو سبحانه آخذ بناصيته وإنما جعل دابة لأن الكل عند صاحب الشهود وأهل الوجود حي، فالمعنى مامن حي إلا والحق آخذ بناصيته ومتصرف فيه بحسب أسمائه يسلك به أي طريق شاء من طرقه وهو على صراط مستقيم؛ وأشار بقوله سبحانه: {أَخَذَ} إلى هوية الحق الذي مع كل من الأسماء ومظاهرها، وإنما قال: {إِنَّ رَبّى على صراط مُّسْتَقِيمٍ} بإضافة الرب إلى نفسه، وتنكير الصراط تنبيهًا على أن كل رب على صراطه المستقيم الذي عين له من الحضرة الآلهية، والصراط المستقيم الجامع للطرق هو المخصوص بالاسم الإلهي ومظهره لذلك قال في الفاتحة المختصة بنبينا صلى الله عليه وسلم: {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] بلام العهد أو الماهية التي منها تتفرع جزئياتها، فلا يقال: إذا كان كل أحد على الصراط المستقيم فما فائدة الدعوة؟ لأنا نقول: الدعوة إلى الهادي من المضل، وإلى العدل من الجائر كما قال سبحانه: {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْدًا} [مريم: 85] انتهى بحروفه، وأعظم من هذا إشكالًا التكليف مع القول بالوحدة وكذا التنعيم والتعذيب فإن الظاهر من التقرير لكلام المحققين من الصوفية أن المكلف عبارة عن موجود هو حصة من الوجود المطلق المفاض على حقائق الممكنات المتعين بتعينات مختلفة اقتضتها الاستعدادات الذاتية للحقائق التي هي المعدومات المتميزة في نفس الأمر المستعدة باستعدادات ذاتية غير مجعولة، فالمكلف مقيد من مقيدات الوجود المطلق المفاض، والمقيد لا يوجد بدون المطلق لأنه قيومه، والمطلق من حيث الإطلاق عين الحق، ولا شك أن قاعدة التكليف تقتضي أن يكون بينهما مغايرة ومباينة حقيقية ذاتية حتى يصح التكليف وما يترتب عليه من التعذيب والتنعيم.وأجيب بأن حقيقة الممكن أمر معدوم متميز في نفسه بتميز ذاتي غير مجعول ووجوده خاص مقيد بخصوصية ما اقتضاها استعداده الذاتي لماهيته العدمية فهو مركب من الوجود والعدم وحقيقته مغايرة لوجوده تعقلًا لتمايزهما ذهنا، ولا ينافي ذلك قول الأشعري: وجود كل شيء عين حقيقته لما بين في محله وحقيقة الحق تعالى لا تغاير وجوده ووجوده سبحانه هو الوجود المطلق بالإطلاق الحقيقي حسبما حققه محققو الصوفية، فالمغايرة الذاتية بين المكلف والمكلف في غاية الظهور لأن المكلف هو المعدوم اللابس لحصة من الوجود المتعين بمقتضى حقيقته، والمكلف سبحانه هو الحق عز وجل الذي هو عين الوجود المطلق الغير المقترن بماهية عدمية، وبعبارة أخرى: إن حقيقة الممكن أمر معدوم.وحقيقة الواجب سبحانه الوجود المطلق حتى عن قيد الإطلاق وقد وقع في البين تجلى الهوية في العبد وذلك التجلي هو الجامع للقدرة وغيرها من الكمالات التي يتوقف عليها التلكيف بمقتضى الحكمة ومحقق للمغايرة.وحاصل ذلك أن حقيقة المزج بين تجلي الهوية والصورة الخلقية المتعينة بمقتضى الحقيقة العدمية هي التي أحدثت ما به يصح التكليف وما يترتب عليه، وكون الحق سبحانه قيومًا للوجود المقيد غير قادح في ذلك بل القيومية هي المصححة له لما تبين من النصوص أنه لا تكليف إلا بالوسع ولا وسع للممكن إلا بقيوميته تعالى بنص: {مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} [الكهف: 39] وما هو بالله فهو لله تعالى، والبحث في ذلك طويل، وبعض كلماتهم يتراءى منها عدم المغايرة بين المكلف والمكلف من ذلك ما قيل:لكن ينبغي أن لا يبادر سمعها بالإنكار، ويرجع في المراد منها إلى العارفين بدقائق الأسرار، هذا وقد تقدم الكلام في ناقة صالح عليه السلام، وفيما قص الله تعالى هاهنا عن إبراهيم عليه السلام إشارة إلى بعض آداب الفتوة، فقد قالوا: إن من آدابها إذا نزل الضيف أن يبدأ بالكرامة في الإنزال؛ ثم يثني بالكرامة بالطعام، وإنما أوجس عليه السلام في نفسه خيفة لأنه ظن الغضب، والخليل يخشى غضب خليله ومناه رضاه، ولله در من قال: وفي هذه القصة دليل على أنه قد ينسد باب الفراسة على الكاملين لحكم يريدها الله تعالى، ومن ذلك لم يعرف إبراهيم وكذا لوط عليهما السلام الملائكة عليهم السلام في أول الأمر، وكانت مجادلته عليه السلام من آثار مقام الإدلال على ما قيل، وقوله تعالى عن لوط عليه السلام: {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} [هود: 80] قيل: يشير بالقوة إلى الهمة وهي عندهم القوة المؤثرة في النفوس لأن القوة منها جسمانية، ومنها روحانية وهذه المسماة بالهمة وهي أقوى تأثيرًا لأنها قد تؤثر في أكثر العالم، أو كله، بخلاف الجسمانية، وقصد عليه السلام بالركن الشديد القبيلة لأنه يعلم أن أفعال الله تعالى لا تظهر في الخارج إلا على أيدي المظاهر فتوجه إلى الله سبحانه وطلب منه أن يجعل له أنصارًا ينصرونه على أعداء الله تعالى، وردد الأمر بين ذلك وأن يجعل له همة مؤثرة من نفسه ليقاوم بها الأعداء، وقد علمت ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: «يرحم الله تعالى أخي لوطًا» الخبرة.وذكر الشيخ الأكبر قدس سره أنه عليه الصلاة والسلام نبه بذلك الخبر أن لوطًا كان مع الله تعالى من أنه سبحانه (ركن شديد) والإشارة في قصة شعيب عليه السلام إلى أنه ينبغي لمن كان في حيز أن لا يعصى الله تعالى، وللواعظ أن لا يخالف فعله قوله: وأنه لا ينبغي أن يكون شيء عند العبد أعز عليه من الله تعالى إلى غير ذلك، والله تعالى الهادي إلى سبيل الرشاد. اهـ.
|